Loading...
رئيس مجلس الإدارة
د.حاتم صادق

المصرى اون لاينبوابة خبرية متخصصة

رئيس التحرير
قدري الحجار

مستقبل لبنان وحزب الله
الدكتور حاتم صادق

الدكتور حاتم صادق

حزب الله، كان أكثر بكثير من مجرد كيان عسكري في لبنان، فقد سيطر علي مقاليد الأمور في البلاد لاكثر من ٣٠ عاما، وشكل في معظم الوقت قوة الدولة خارجيا وداخليا، وامتدت أذرعه إلى المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية، كان ممثلو حزب الله جزءا لا يتجزأ من القيادة السياسية اللبنانية، التي أشرف عليها في السنوات الأخيرة الأمين العام للمنظمة، حسن نصر الله، وغياب هذا الرجل الذي واغلب قادته في زمن قياسي لا يتعدي العشرين يوما افضي الي فراغ غير مسبوق في كل مراكز صنع القرار الحقيقي في بلد يعاني بالفعل من أزمات اقتصادية وسياسية وأمنية وعسكرية الكبيرة.

على مدى عقود، لم يعترف حزب الله بأي زعيم آخر غير نصر الله، وهو كان الشخصية الوحيدة المؤثرة في إعادة تشكيل المشهد السياسي في لبنان وخارجه. ويثير اغتياله تساؤلات عميقة حول مستقبل المنظمة داخل لبنان ومواجهتها مع إسرائيل. أعربت بعض العناصر السياسية في لبنان، التي عارضت في البداية الدخول في المعركة ضد إسرائيل "دعما لغزة"، مؤخرا عن معارضة واضحة لحزب الله.

في اقل من شهر، تعرض حزب الله لانتكاسات وضربات غير مسبوقة اضرت بمصداقيته وشعبيته سواء في الداخل او الخارج. بدأت بهجوم "البيجر" الذي استهدف في اقل من ثواني معدودة أكثر من ٤٠٠٠ من المسئولين والقيادات في الحزب دون ان تطلق إسرائيل رصاصة واحدة. وانتهت مؤقتا ولحين اشعار اخر باغتيال حسن نصر الله نفسه وبعدها بايام اغتيل أيضا من كان سيخلفه.. بالطبع لا توجد أي مقارنة او مقاربة لموازين القوي بين طرفي الصراع، فلا يمكن مقارنة ما تحدثه بعض صواريخ ومسيرات حزب الله منزوعة الدسم من دمار، مقابل غارة واحدة تنفذها إحدى طائرات إسرائيل، خاصة ان حسبة نصر الله تتركز في حجم الازعاج الذي يمكن ان تسببه تلك الصواريخ حتى ولو لم تحقق الدمار المستهدف منها.. والخلاصة بالنسبة له "دوي صافرات الإنذار في إسرائيل أقوى من كل الصواريخ". 

حتى الآن اهداف إسرائيل مازالت تنحصر في: أولا، تقليل الأضرار التي لحقت بالمجتمعات الإسرائيلية الشمالية من وابل الصواريخ التي يقوم بها حزب الله، والتي ستزداد بلا شك في حال بدأت العملية البرية؛ وثانيا، تعطيل وتدمير استعدادات حزب الله، التي بناها وطورها بعد نهاية حرب عام ٢٠٠٦. ثالثا، تطبيق قرار مجلس الامن الدولي رقم 1701 الذي يطالب بإيجاد منطقة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني تكون خالية من أيّ مسلّحين ومعدات حربية وأسلحة عدا تلك التابعة للقوات المسلحة اللبنانية وقوات يونيفيل. 

لذلك فان هجماتها إلى حد كبير ماتزال مركزة في جنوب لبنان، والبقاع وبعض الهجمات المحسوبة بالضاحية الجنوبية في بيروت، علي الجانب الاخر فأن حزب الله لم يطلق العنان بعد لقوته النارية الكاملة، كما ان الجيش الإسرائيلي لم يستهدف حتي الان أنظمة الصواريخ طويلة المدي التابعة لحزب الله، مثل فاتح-110 وعماد وسكود 7 وغيرها من الصواريخ، الموجودة في المقام الأول في وادي البقاع في لبنان ، وهو يدرك ان هذه الأنظمة هي أحد الأصول الإيرانية، التي عهد بها الحرس الثوري الإيراني إلى حزب الله لاستخدامها ضد إسرائيل إذا هاجمت المنشآت النووية الإيرانية. وهذه الصواريخ ملك لإيران وليس حزب الله. وإذا ضربتها اسرائيل، فقد يؤدي ذلك إلى حرب إقليمية. وهو ما ترفضة الولايات المتحدة الامريكية..
على كل حال فنحن امام خريطة جديدة للبنان وحزب الله تحديدا. وبالنسبة للأخير فان مستقبل حزب الله لم يعد يتوقف على من يخلف نصر الله حتى من قبل ان يعلن بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل انه اغتال "وريثه ووريث وريثه"، لكنه مرهون الان بما سيٌسمح لإيران من دور بتنسيق إسرائيلي خليجي قد يتحدد بعد حجم وتداعيات الضربة الإسرائيلية المرتبقة ضد طهران.. وهذا الامر يحتاج الي بعض الوقت على الأقل لحين الانتهاء من الانتخابات الامريكية. الا ان الامر الأكثر الحاحا هو ان اغتيال نصر الله يمكن أن يغرق الحزب في فوضى داخلية قد تؤدي الي حركات تمرد وانقسامات وانفلات بالسلاح تصل الي صراع شوارع، مما قد يؤدي إلى خلق مجموعات فرعية ذات ولاءات مختلفة، قد تثير شهية بعض القوي الخارجية للتدخل لاعادة لبنان الي الفوضى مجددا.

علي صعيد الدولة، فان فرصة لبنان أصبحت أفضل في استعادة مؤسساتها الدستورية والرئاسية، والحديث عن إمكانية سقوطها مجددا في مستنقع الحرب الاهلية مثل ما حدث في نهاية سبعينيات القرن الماضي هو قراءة غير متأنية لكل مجريات الأمور هناك، أولا: ان التغيير الدراماتيكي الحادث في سوريا منذ 2011 وهي من اكثر المؤثيرين تاريخيا في لبنان أفقدها قدرتها على التأثير والسيطرة لتحريك الأمور على الأرض في هذا البلد. ثانيا: ان كل الأطراف والفرقاء الذين كان لهم أدوارا في إدارة الصراع في ذلك الوقت فقدوا أيضا كل وسائلهم المالية والعسكرية منذ تنفيذ اتفاق الطائف. ثالثا: ان قيادات كل الفرقاء أصبحوا أوراقا محروقة بالنسبة للمواطن اللبناني، كما ان جميعهم بشكل او بآخر اخذوا أكثر من فرصة في إدارة البلاد وفشلوا بالتالي لم يعد هناك أي جديد يمكن ان يقدموه للشعب اللبناني. رابعا: البيئة الدولية اختلفت هي الأخرى ولم تعد كالسابق وتغيرات موازين القوي الدولية، حتى شرط اختيار رئيس الجمهورية اللبنانية الذي كان يجب ان يمر عبر سبع عواصم غربية وإقليمية لم يعد قائما. خامسا: ان لبنان نفسه لم يعد جائزة مغرية للتورط فيه بسبب حجم الازمات التي عانى منها مؤخرا بالتالي فانه لم يعد هناك من يرغب فعليا للاستثمار في صراعات داخلية من اجل مكاسب غير محتملة على الأقل في المستقبل المنظور.

خروج حزب الله من المشهد اللبناني خلق حقبة جديدة يمكن، بل يجب البناء عليها إذا أراد اللبنانيون ومن ورائهم محيطهم العربي استعادة بلدهم، خاصة انه كان هو المعطل الفعلي لانتخاب الرئيس اللبناني.. وهناك مؤشرات ايجابيه خاصة فيما يتعلق بالقوي السياسية الفاعله هناك. ففي خضم الفوضى الناشئة عن هذا الغياب، اكدت مختلف الفصائل في لبنان على الحاجة الماسة للوحدة.. 

هذه الفرصة ربما تمثل نقطة مفصلية بين العودة واللا عودة للدولة الشقيقة لبنان.. واتذكر الفنان القدير عادل خيري عندما قال جملة عبقرية في نهاية مسرحيته الشهيرة " الا خمسة" ان " الشطارة ان تأتي دائما لا خمسة وليس وخمسة" بمعنى الا تاتي متأخرا وهذا ما نأمله من كل الأطراف.



تواصل معنا